ترجمة القاضي محمذن بن محمد فال “اميي علما” / محمدن بن امد
هو العلامة القاضي محمذن بن العلامة الكبير محمد فال بن العلامة الكبير محمذن بن العلامة الكبير أحمد بن العاقل، والدته فاطمَ فال بنت محمد فال بن أحمد بن محمد العاقل، ومما يروى أن فاطمَ فال أوصت الأهل وهي في مرض موتها على ابنتها سلمى فعجبوا لمَ لمْ توص على محمذن وهو لما يعْد بعدُ أربعين يوما من حياته، فقالت: “محمذن ودعتُ لْملانَ” -أستودعه الله تعالى- فتوفيت سلمى في صغرها، وعاش محمذن ما يقارب القرن من الزمان ووجهه كوجه الطفل وضاءة وذكاء، قال ابن أخته العلامة گراي ابن أحمد يوره في رثائه له:
عشت لله الحمد والشكر قرنا ،، ناقصا أربعا من الأعوام
ومحياك بعد ست وتسعين يراه الرائي محيا غلامي
ويقول العلامة محمدن بن محمد باب ابن أحمد يور:
عشت قرنا وأنت كالطفل وجها ،، وذكاء وذاك أمر يقلُّ
فاتحا للصبيان كف مزاح ،، عن مزاح النبي ليست تضلُّ
أخذ القاضي محمذن بن محمد فال العلم عن والده العلامة محمد فال بن محمذ “ببها”، ونبغ في العلم والمعرفة، وكان آية في الذكاء والفطنة والحلم والحكمة، ولذلك فقد تولى القضاء في حياة والده في دائرة المذرذرة وما يتبع لها إذ ذاك، شأنه في ذلك شأن آبائه فهو من أسرة تسلسل فيها القضاء والعلم والصلاح، ومع أنه مكث في القضاء زمنا طويلا فإن أغلب قضائه كان صلحا، وذلك من حكمته وإعجاب الناس به فهم يصدرون عن رأيه وينتهون إلى أمره ويرضون بأحكامه التي لم تأخذه فيها لومة لائم، وغلب عليه لقب القاضي فكان يعرف به عند الإطلاق، يقول القاضي الورع العالم بن العلماء أحمد سالم بن سيد محمد بن الشيخ أحمد الفاللي (ت. ١٩٨٨م) في رثائه له:
قاضي القضاة الذي للفصل كان له ،، من كل أوب دواما تضرب الإبل
قاضي القضاة وقاضي كل معضلة ،، أعيت فلم يدر قاض كيف تنفصل
عدل الرياسة والأحكام معتمد ،، فى ما عناه من الأمرين معتدل
قاض إذا أطلق القاضي يكون له ،، عن غيره اللفظ نص ليس يحتمل
ويقول العلامة المعروف بغزارة العلم وكثرة التآليف الحسنة المفيدة محمد عبد الرحمن”النح” بن السالك بن بابَ بن أحمد بيب العلوي (ت ١٣٩٨هـ- ١٩٧٨م) منوها بقضائه:
يا حاكم الشريعة المرتضى ،، وسيفها الصمصامة المنتضى
و درعها التي بها يتقى ،، و شمعها الذي به يستضى
و فارس القضا إذا شمرت ،، عن ساقها الفهوم وابن القضا
أهلا بما جاوزت من بلدة ،، تطوي لك الركاب نشر الفضا
فلم تزل على العلا مقبلا ،، و لم تزل عن الخنا معرضا
ويقول القاضي الفقيه الشاعر عبد الله السالم بن العلامة يحظيه “ابَّاهْ علما” بن عبد الودود (ت. ١٩٩٩م):
تولى قضــاء العصر وهو محبذ – وما كل قاض في الورى بمحبذ
ونفذ حكــــم الشرع مـــادام بيننا – ولاخير في حــــكم بدون منفذ
ولمكانته ورتبته في القضاء كان الرئيس لأول مؤتمر للقضاة في هذه البلاد بالإشتراك مع العلامة الشيخ المحفوظ بن بَيَّ (ت. ١٣٩١هـ- ١٩٧١م)، وكان ذلك المؤتمر في دجمبر ١٩٦٢م، وحل قضايا ونزاعات لم تحل قبله كقسمة الركيز المعروفة التي يشير لها الشاعر محمد الامين بن الشيخ المعلوم بقوله:
على “العطف” عطفا فالأمين صديقكم ،، وب”الظَّلم” مظلوم وليس له أمر
وتم انفلاق البحر عند قدومكم ،، وبعد كليم الله ما انفلق البحر
ومكث القاضي محمذن بن محمد فال أكثر من خمسين سنة في القضاء كما ورد في “المجموعة الكبرى” للدكتور يحي بن البراء، ويرى المؤرخ عبد الله بن أحمدُّ أنه مارس القضاء ستين سنة أو تزيد انطلاقا من أنه مارسه في حدود الثلاثين من عمره.
ولم يتقاعد إلا حوالي سنتين أو ثلاث على الأكثر قبل وفاته، وعُيِّن مصلحا -في القضاء- بعد تقاعده ذلك، وعاش ستا وتسعين سنة كما ذكر العلامة گراي ولد أحمد يوره في قصيدته.
وممن كان يستشير في قضائه من علماء منطقته: الشريف محمد فال بن عابدين والشريف محمد بن باباه بن بدي، وسيد بن التاه، ولمرابط محمد سالم ابن ألمَّا، وأحمد سالم بن سيدي محمد، ومحمد عالي بن محنض، والمختار بن المحبوبي، ومحمد بن حمينَّ، والمختار بن إبلول، ومحمد عبد الرحمن بن السالك “النح”.
وقال القاضي محمذن بن محمد فال في شأن توليه القضاء أبياته الشهيرة:
يا مسبغ النعمة لا تَجفُني ،،، من نعمة في الخلق لي مشهره
و يا ميسر العسير اهدني ،،، و حاجي العسير لي يسره
و ما جنت يداي لي فاغفرنْ ،،، يا باسط اليدين بالمغفره.
وأخبرني المختار امُّ بن أحمدُّ أنه قال له غيرما مرة في المسجد -معلقا على هذه الأبيات- إنه يعلم أن الله تعالى قد غفر له لأنه جلَّ وعلا أكرم من أن يستجيب له في بعض سؤله دون البعض، وقد خلفه في القضاء أخوه القاضي الورع حامد بن ببها (ت١٤٠٦هـ – ١٩٨٧م).
ويعد القاضي محمذن بن محمد فال من كبار أهل المعرفة والصلاح إلا أنه يستر ذلك لتواضعه ومقامه، يقول ابن أخته العلامة حمدن ولد التاه:
حبر تستر بالفكاهة جاهدا ،، كي لاتبوح بسره الأيام
فإذا تحدث في الحقيقة حلقت ،، فيها النفوس ومسها إسهام
ويقول سليل الأسرة المشهورة بالقضاء والعلم والفضل الشاعر الأديب المختار بن أحمد بن محمدا بن حامد بن محنض باب بن اعبيد، يصف ما كان عليه القاضي محمذن من مقام سني يحاول إخفاءه ولكن الحال تظهره:
وعلَّم بل وربى في خفاء ،، قلوب القوم أخلاها فحلَّى
وباطنَ علمه أخفى ولكن ،، سريعا ما كظاهره تجَلَّى
أجلْ علم الحقيقة قيل حلي ،، يروق إذا بإخفاء تحلَّى
ويقول فخر شنقيط العلامة محمد سالم بن محمد عالي بن عدود:
لا أطيل الحديث في ذكر شيخ ،، كان في الذكر فائقا أقرانه
صادق الكشف رائق الوصف سمح الْكفّ يستمطر السحاب بنانه
ثابت اللحظ بالغ الوعظ عذب اللّفْظِ قد عوّد الجميل لسانه
وهو معروف أيضا بتفسير الأحلام، ومن خصاله كذلك الجود والكرم وعون الضعيف وذي الحاجة، يقول ابن أخته محمدن بن محمد باب ابن أحمد يوره في ذلك أيضا:
يا أبانا إن غبت عنا فمن ذا ،، لفقير دموعه تنهلُّ
وضعيف ومرمل وكسير ،، وعلى دين المصطفى من يدلُّ
يا إماما وعارفا وهماما ،، وجوادا ياوي إليه الكلُّ
ويقول الشاعر المختار بن محمدا:
وأنفقَ في سبيل الله فيها ،، وقام بها الليالي في المصلَّى
وأطعم جائعا وسقى فأروى ،، بها الصديان مشربه المحلَّى
واضطلع القاضي مع شغله بالقضاء بمهام كثيرة كالإمامة والقيادة، وقد أم أول جمعة أقيمت في جامع ابير التورس ١٩٦٣م، وكان رئيسا لأربعة عشر فخذا من قبائل شتى من أهل منطقته بحكم ما يعرف ب”الكتابة”، وخلفه في قيادته ابنه الصالح العابد الفقيه السخي النقي حفظه الله ورعاه ومتعنا به محمد فال ببها “لمرابط”، إلى غير ذلك من الأمور العظام التى أدارها في تؤدة ورجاحة عقل نادرين، يقول گراي ولد أحمد يوره:
يا معدا لكل أمر عظيم ،، ليت شعري من للأمور العظام
يا مضيئا للمشكلات إذا هي ادلهمت أمام كل إمام
وكانت لمحمذن بن محمد فال علاقات واسعة بأجلاء زمنه، وكان يثني على الشريف الصالح سيد محمد ابن عابدين “حَمَّ” ويقول إنه خيرٌ كله، ويقول في الشيخ الصالح الشيخ أحمدُّ بمب البكِّي:
كاتم ما قد حزْتَ من رتبة ،، علياء، للشمس ضحى كاتم
أحييت سنة النبي الذي ،، قد كان للرسل هو الخاتم
و حاتما أحييته بعدما ،، قد مات منذ زمن حاتم
وكانت له أيضا علاقات وطيدة بأمراء الترارزة في زمنه كأحمد سالم بن إبراهيم السالم، وأحمد للدّيد، ومحمد فال ولد عمير، واحبيب بن أحمد سالم.
وللقاضي محمذن ديوان شعر يكثر فيه الدعاء والوعظ والنصيحة والتوكل ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، فمن شعره في الوعظ قوله:
يا فُلُ تبْ فالمرء أعماله ،، له بمرصادٍ إذا يافلُ
و استغفرِ اللهَ العظيمَ الذي ،، لا بدَّ مِنْ لقائه يا فلُ
وله في الدعاء:
يا من يعد لصرف الدهر إن جاء ،، وينشئ اليسر بعد العسر إنشاء
ويفرج الهم فرجا بعد شدته ،، ويجعل الحَزن سهلا حيث ما شاء
إن لم يكن منك عون للورى وغنى ،، فلا أرى إبلا تغني ولا شاء
وله في التوكل:
كم من ضعيف ما له حيلة ،، وافاه رزقه لدى بابه
و كم فتى خانتته أسبابه ،، وكان واثقا بأسبابه
فالحول والقوة لله لا ،، حول ولا قوة إلا به
وله عدة منظومات بديعة في شتى الفنون من فقه وتاريخ وغير ذاك منها: منظومة في تاريخ حوادث السنين، ونظم آخرِ الصحابة موتا بكل أرض وقد نظَمه بأمر من والده العلامة ببها، ولي تعليق على هذا النظم لم ينشر بعد، وأورد المختار بن حامد في كتابه “حياة موريتانيا” بعض أنظامه وأشعاره، وقد حصلت على مجموعة من أنظامه من طريق ابن أخته الفقيه الصالح ببها بن سيد بن التاه “ببَّ”، جزاه الله عني خيرا.
توفي القاضي محمذن بن محمد فال رحمه الله تعالى يوم السبت : 25 مايو 1966م – ١٣٨٦هـ في ابير التورس، ودفن بالميمون، وقد رثاه الكثير من الشعراء وسأورد من مراثيه هنا قصائد العلماء والشعراء: محمدن بن محمد باب ابن أحمد يوره، وگراي ابن أحمد يوره وحمدن ابن التاه، وأحمد سالم بن سيد محمد، ومحمد سالم ولد عدود، والمختار بن محمدا، وعبد الله السالم بن يحظيه بن عبد الودود:
قال محمدن بن محمد باب بن امحمد بن أحمد يوره يرثي خاله محمذن بن محمد فال “اميي”:
لا تلمني على البكا يا خلُّ ،، إن قلبي من بعد خالي لَخلُّ
لا تلمني على البكاء عليه ،، إن فقدانه بعقلي مخلُّ
إنما الصبر فيه خير ولكن ،، ما له في هذي القلوب محلُّ
يا أبانا إن غبت عنا فمن ذا ،، لفقير دموعه تنهلُّ
وضعيف ومرمل وكسير ،، وعلى دين المصطفى من يدلُّ
يا إماما وعارفا وهماما ،، وجوادا ياوي إليه الكلٌُ
عشت قرنا وأنت كالطفل وجها ،، وذكاء وذاك أمر يقلُّ
فاتحا للصبيان كف مزاح ،، عن مزاح النبي ليست تضلُّ
رضي الله عنك إنك شيخ ،، عن مقام الأصحاب لست تقلُّ
وصلاة على النبي وجدير ،، بالورى أن يسلموا ويصلُّوا.
وقال العلامة گراي ابن أحمد يوره في رثائه:
فرْضُنا أن نرضى مع استسلام ،، بقضا ذي الجلال والإكرام
فالرضا بالقضاء حتم على القافين نهج الإيمان والإسلام
والحياة الدنيا كأحلام نوم ،، كيف يغتر المرء بالأحلام
وسهام الحمام لم تخط حيا ،، أين من لا يختشى سهام الحمام
لو أتيح البقا لحي لعاش المصطفى في الأنام دون منام
فالبقا للرحمان لا غير وصف ،، والفنا للأعراض والأجرام
بيد أن الأعلام فقدهمُ يبدو به البشر ناكس الأعلام
ومصاب الإمام خطب جليل ،، حُمَّ فلْنحتسب مصاب الإمام
راح بدر التمام عنا فعدنا ،، مأتما للأرواح والأجسام
اميي يا مصباح كل ظلام ،، وملاذ الضعاف والأيتام
يا معدا لكل أمر عظيم ،، ليت شعري من للأمور العظام
يا مضيئا للمشكلات إذا هي ادلهمت أمام كل إمام
أنت بحر في العلم لست تبارى ،، حين تعلو القرطاس بالأقلام
تكتب السطر محكما فيه أحكاما كذاك الإحكام للأحكام
مبرم منك ليس ينقض والمنقوض لا يعتريه من إبرام
أنت نور اليقين والحلم سهم ،، صائب في التعبير للأحلام
عالم الأسخيا وأنت سخي العلما أنت حاكم الحكام
عشت لله الحمد والشكر قرنا ،، ناقصا أربعا من الأعوام
ومحياك بعد ست وتسعين يراه الرائي محيا غلامي
طبت حيا وميتا وتجاوزت من المكرمات كل سنام
كامل العقل وافي النقل مرموق المزايا موفق الإلهام
لم تزل بيننا كما نبتغي حتى دعاك السلام سبل السلام
وسقاك الرحمان روحا وريحانا ووافاك في ألذ مقام
مترفا بالقصور والحور مثواك جوار السلام دار السلام
إننا آسفون جدا على فقدك يا بحر العلم بدر التمام
غير أنا نجدد الحمد لله على ما أبقى من الإنعام
رب نشكو إليك ما نابنا يا ،، عالما لا يحتاج للإعلام
ربنا عاملنا بلطف وعطف ،، واجعل الصدع في أتم التئام
واجعل الأمر فوق ما نرتجي يا ،، واهبا فضله على الخلق هام
وقنا ما نخشاه من كل سوء ،، واحبنا كلنا بكل مرام
بشفيع الأنام صلى عليه الله في كل مبدأ وختام.
وقال العلامة حمدن ولد التاه:
يقضي علينا الشرع والأحكام ،، أن لا نخالف ما حوى الإسلام
الله فوق العرش جل جلاله ،، والناس تحت لوائه قد قاموا
والعارفون حياتهم لا تنتهي ،، وذهابهمْ لإلههمْ إكرام
لما دعى خالي اميي لجواره ،، لبى النداء وما به آلام
حبر تستر بالفكاهة جاهدا ،، كي لا تبوح بسره الأيام
فإذا تحدث في الحقيقة حلقت ،، فيها النفوس ومسها إسهام
وإذا تربع للقضاء وفصله ،، فبراحتيه النقض والإبرام….
وقال القاضي أحمد سالم بن سيد محمد:
خل الجفون بدمع العين تنهمل ،، وخل نار الأسى بالقلب تشتعل
وواصل السهد في ليل التمام فقد ،، حق البكاء وطول السهد والوجل
ففقد قاضي القضاة المرتضى جلل ،، في جنبه كل فقد غيره جلل
ذاك الفتى الجحجح السامي محمذ بن ببها العيلم الصمصامة الرجل
قاضي القضاة الذي للفصل كان له ،، من كل أوب دواما تضرب الإبل
قاضي القضاة وقاضي كل معضلة ،، أعيت فلم يدر قاض كيف تنفصل
عدل الرياسة والأحكام معتمد ،، فى ما عناه من الأمرين معتدل
قاض إذا أطلق القاضي يكون له ،، عن غيره اللفظ نص ليس يحتمل
قاض على الجور قاض بالنصوص فلا ،، تخمين عاب له حكم ولا خلل
إذا الملاح تعاطوا حكم مشكلة ،، تعيي الفهوم فهو الفارس البطل
قاض ووقاض لحاج الناس كلهم ،، وموئل للذي من مشتكى يئل
إليه للفضل بل جلب المنافع بل ،، كف المظالم من كل الورى سبل
الحاكم العادل الثبت الصبور على ،، أذى الخصوم فلا ميل ولا ملل
وهو السخي وإن قل السخي له ،، وهو الذكي بثوب الحلم يشتمل
ترى ذوي الحاج لا تنفك تقصده ،، يستن منه عليهم وابل هطل
عدوه ذاق من أخلاقه صبرا ،، مع انه لسواه الراح والعسل
بموته الدين أمسى وهو منثلم ،، والعلم قد هُدَّ منه الركن والعمل
فالله يرحمه ما كان أرحمه ،، لبائس خصمه العفرية العضل
والله يرحمه ما كان أرأفه ،، بمرمل زاره ضاقت به السبل
والله يرحمه ما كان أوسعه ،، بوافدين عظام عنده نزلوا
رزء لعمرك ما خص العشير بلى ،، به ذووا وصلة الإسلام قد شملوا
إنا نعزيكم من بعد أنفسنا ،، فيه ومَن غيرنا يا سادة فضلوا
إنا وإن جل هذا الرزء نذكر أن ،، لا رزء من بعد من تمت به الرسل
لو كان يفدى بملء الأرض من ذهب ،، أو من نفوس ففيه ذاك مبتذل
وإننا بقضاء الله جل لمنقادون راضون ما يقضي به ذلل
يا شامتا بمصاب شق مرزؤه ،، مهلا رويدا بفيك الترب والجدل
الموت دار وكل الناس نازلها ،، وكل حي إليها سوف يرتحل
من لم يصبه ففيه عنده طول ،، لا بد يجذبه مهما يحن أجل
وإن في خلف منه لنا خلفا ،، ولم يمت من له في وصفه مثل
إذ سوف يخلده ذكر له حسن ،، عم الخلائق عنه يقصر المثل
وسوف يلقاه عما كان قدمه ،، من صالح وتقى في قبره الجذل
ونحمد الله ما أبقاه من خلف ،، لا خاب فيهم لمن يرجوهم أمل
إذ سوف يرأب منهم معْ سوائهمُ ،، من ذلك البيت الاعلى ذلك الخلل
لا زال ذلك دأبا فيهم أبدا ،، بجاه طه مقيما ليس ينتقل
يا بارك الله في مسعاهم أبدا ،، ولم يزل سعيهم فيه لهم شغل
يا رب هيئ له في قبره نزلا ،، مناسبا لعلاه ذلك النزل
واجعل إلهي له الرضوان الاكبر من ،، بعض الجزاء لما قد كان يمتثل
واجعله في جنة الفردوس في غرف ،، ما شاء فيها بإذن الله ينفعل
ما تشتهي النفس في تلك الجنان وما ،، تلذه العين فيها دائما يصل
على النبي صلاة الله يتبعها ،، سلامه من به رسل العلي كملوا.
ويقول العلامة محمد سالم ولد عدود:
شيخ ذات السبيل خلى مكانهْ ،، بعدما عاش صالحا بأمانه
حكما مقسطا إماما جليلا ،، ذا وقار وهيبة ومكانه
عاملا مخلصا أديبا أريبا ،، مازجا هزله بجد الديانه
قائدا راشدا حكيما سديدا ،، حازما في تواضع وصيانه
لم تكن تستخفه نشوة الكبْ،،رِ ولا يطبييه ذل المهانه
لا أطيل الحديث في ذكر شيخ ،، كان في الذكر فائقا أقرانه
صادق الكشف رائق الوصف سمح ال،،كفّ يستمطر السحاب بنانه
ثابت اللحظ بالغ الوعظ عذب ال،،لّفْظِ قد عوّد الجميل لسانه
كان للخمس زينة وستبقى ،، ببنيه وقومه مزدانه
كان للدين معقلا وسيبقى ،، منهمُ في عزازة ومتانه
حاطهُ الله في ذويه وأبقى ،، ذكره خالدا وأعظم شانه
وحباه من جنة الخلد مثوى ،، يغبط الأولياء فيه مكانه
بجوار الرسول ذي الصدق والتبْ،،ليغ والنصح والهدى والأمانه
صلوات الإله تترى عليه ،، وعلى آله صميم كنانه
وعلى صحبه الألى جاهدوا في الله حق الجهاد دون استكانه
وقال القاضي عبد الله السالم بن يحظيه بن الودود:د
وفاة الإمام بن الإمام محمذِ ،، دليل على أن الفتى غير منقذِ
وأن صروف الدهر تأتي على الورى ،، فما فاته منهم شريف ولا رذِي
إمام أطاعته السيادة ناشئا ،، وكم كان فيها من شوارد لوَّذِ
فتى الخمس في علم وحلم وحكمة ،، وقد أخذ الأشياء أحسن مأخذِ
خلائقه طابت ولذ مراسها ،، ومن لم يكن سهل الخلائق ينهذِ
فكم كان في أرجائه من مجاور ،، وطالب حاجات وكاس ومغتذِ
له مجلس فوق المجالس رتبة ،، بعيد عن الفحشاء والخلق البذِي
يحل به صعب الأمور بديهة ،، وتقضى به حاجات ذاك وذا وذي
أحـــاط بما في الكتب دون مشقة ،، وليـــس له شيــــخ ولم يتتلمذِ
إذا عنَّ للأقوام حل عويصة ،، من الفهم أعيت كل فهم مشحّذِ
تصدى لها فردا بفهم موفق ،، ولاح له فضل على كل جهبذِ
وإن خاض في الآداب خلت مقوله ،، قلائد در فصلت بزمّرّذِ
تولى قضــاء العصر وهو محبذ ،، وما كل قاض في الورى بمحبذِ
ونفذ حكــــم الشرع مـــادام بيننا ،، ولاخير في حــــكم بدون منفذِ
وليس له ورد سوى ورد أحمد ،، وما صح عنه من دعا وتعوذِ
يعد من الأقطـــاب والحـال شاهد – بدون ادعا شيئ ودون تشعوذِ
فلا خاب ظني في بنيه وحيه ،، فإنا بهم نسلو وفاة محمذِ
وكان لهم عون من الله دائم ،، ومن كل خطب نازل خير منقذِ
وصب على قبر الفقيد سحائبا ،، من الروح في أرجائها الأرج الشذِي.
وقال الشاعر المختار ابن محمدا:
أحبَّ لقاء خالقه وملاَّ – متاعب هذه الدنيا فولى
فضيلة شيخنا القاضي فولت – معاني الفضل تبكي أن تولى
إلى حيث النعيم وحيث يُجزى – حياة صامها جلا وصلى
وأنفق في سبيل الله فيها – وقام بها الليالي في المصلى
وأطعم جائعا وسقى فأروى – بها الصديان مشربه المحلى
وعلَّم بل وربى في خفاء – قلوب القوم أخلاها فحلى
وباطنَ علمه أخفى ولكن – سريعا ما كظاهره تجلى
أجلْ علم الحقيقة قيل حلي — يروق إذا بإخفاء تحلى
سيبكي الشيخَ حلف شمشوي – يحمله مصاب الشيخ كلا
وتبكيه المعاني والمباني – وتبكي المشكلات تريد حلا
محمذن الرضى مهدي الهدايا – وهادي من سبيل الرشد ضلا
ومن قد كان للخيرات أهلا – ومن أمسى لها اهلا وظلا
ومن بحلى الفضائل قد تحلى – وعن كل الرذائل قد تخلى
أحل تقى الإله القلبَ منه – فحل من القلوب بها محلا
لقد جل المصاب به ولكن – رضينا ما قضاه الله جلا
وبالأهل الكرام لنا تسل – ففيهم ما به يسلو المسلى
مثال في الندى ولهم مجال – بعيد فيه سهمهم تعلى
قضاياهم جميعا موجبات – وشكلهم الأخير حكى الأوَلا
فلا زالوا لنا ركنا منيعا – نولى شطره الخطب الأجلا
بجاه أمين يعرب نورها من – بعبأ رسالة الله استقلا
عليه صلاته وكفى فإني – أفضل ما كفى هنَّا وقلا.
وإليكم القصيدة المذكورة، قال القاضي محمذن بن محمد فال الإبتهال إلى الله تعالى ومدح النبي صلى الله عليه وسلم:
يَا خَلِيلَيَّ عَرِّجَا بِالمَغَانِي *** وَاحْبِسَا العِيسَ بَيْنَهَا تَبْكِيَانِ
وَاتْرُكَا النُّصْحَ وَالمَلَامَةَ فِيهَا *** وَاعْذُرَانِي فِيهَا وَلاَ تَعِْذِلاَنِي
إنَّهُ كَانَ بِالدِّيَارِ غَزَالٌ *** أَدْعَجُ العَيْنِ فَاتِرُ الأَجْفَانِ
إِنْ يُسَاقِطْ حَدِيثَهُ انْفَضَّ دُرٌّ *** وَإِذَا افْتَرَّ افْتَرَّ عَنْ أُقْحُوَانِ
وَإِذَا مَا يَنُوءُ نَاءَ بِدِعْصٍ *** وَإِذَا مَا انْثَنَى انْثَنَى خَوْطَ بَانِ
وَإِذَا أَسْفَرَ اسْتَبَانَ مُحَيّا *** مَا رَأَتْ قَطُّ مِثْلَهُ العَيْنَانِ
حَبَّذَا هُنَّ مِن مَغَانٍ عَفَتْهَا *** وَاكِفَاتٌ الجَوْزَاءِ وَالمِيزَانِ
هُنَّ أَطْلاَلُ زَيْنَبٍ حِينَ لاَ تَقْطَعُ لِي زَيْنَبٌ مَعَ الجِدْيَانِ (١)
عَدِّ عَنْ مَنْهَجِ التَّصَابِي وَعَنْ ذِكْرِ الغَوَانِي وَدَاثِرَاتِ المَغَانِي
وَعَنِ الرِّيمِ وَالغزالِ فلاَ تُعْنَ بذكْرِ الآَرامِ والغزْلاَنِ
واصْرِف الوَجهَ ضَارعاً ذَا ابتهَالٍ *** لِلعزيزِ المُهَيمِنِ المَنَّانِ
مَنْ بِهِ قامَت السَّمَاواتُ والأَرْضُ ودَانَتْ لحكُمِه الثَّقَلانِ
مَنْ بهِ رزْقُ ذا الجَرَادِ وذَا النَّمْلِ وهذِي الحَيَّاتِ والحيتانِ
مَنْ بهِ اللَّيلُ والنهَارُ عَلَى كَرِّهِمَا فِي زَيدٍ وفِي نقْصَانِ
إنَّهُ اللَّهُ ذو الجَلاَلِ والاِكْرامِ جَلِيُّ الدَّلِيلِ وَالبُرْهانِ
بَرأَ الإنسَ منْ سُلاَلةِ طِينٍ *** ومنَ النَّارِ بارِئُ الشَّيْطَانِ
مَنْ دحَا الأَرْضَ والسَّمَاءَ بناهَا *** هَاهُمَا للفراش والبنيان
وَعلَى الأرْضِ شامِخاتُ جِبالٍ *** وَاقياتٌ لهَا منَ الميدانِ
إنَّ هذَا وضِعفُ أضعَافِهِ شيءٌ قليلٌ في جانبِ الرحْمانِ
وعلَى أحْمَد الرَّسُولِ النَّبِيِّ المُصْطفَى الهَاشِميِّ منْ عَدْنانِ
درةِ المجْدِ منْ ذوائبِ فهرٍ *** طَامسِ الكفرِ رامسِ الأوثانِ
ذي السَّرايا وذي البُعوثِ وذي التأييدِ بالمعْجزاتِ والقرآنِ
صلواتٌ زهرٌ منَ اللَّهِ تتْرَى *** وسلامٌ يَدومُ دومَ الزمَانِ
مَا حَدَا الرَّعدُ دُلَّحًا مُومِضاتٍ *** وتَغَنَّى الحَمامُ بِالأَغْصَانِ
(١): مثل شعبي: فلان يقطع له مع الجديان يضرب لمن يستهان بشأنه، (الشعر والشعراء في موريتانيا).
اللهم على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.
محمدن ولد امَّد ولد أحمدُّ
نقلا عن موقع: دروس محظرية (بتصرف)