الشاعر عبد المالك ولد إمام / د. أحمد ولد المصطف

تهدف هذه الورقة إلى تقديم لمحة موجزة عن الشاعر عبد المالك ولد إمام، و ذلك لتوفير المعلومات الأساسية عن أحد شعراء القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي الذين تركوا بصماتهم على الأدب و الثقافة في هذه البلاد.

المولد و النشأة

ولد الشاعر عبد المالك ولد إمام على الأرجح في نهاية العقد الأول من القرن الثالث عشر الهجري/ نهاية العقد الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي في منطقة بتلميت. والده هو إمام ولد الناه، الملقب محمذن ولد أحمد ولد أشفق محم ولد الفالي ولد محمد القارئ، جد “إِدَقْرَهَاوَ”،  ولد عبد الجبار ولد كروم ولد ملوك ولد بركني. أمه ابنة عم والده، زينب بنت أبنو ولد بَبَكَّر. هكذا فإنه ينحدر من بيت عز و شرف، فعمه هو العالم عبد الجليل ولد الناه الذي اشتهر بتوثيق ملكية الأراضي في منطقة بتلميت؛ و هذا الأخير هو أيضا ابن خالة الشيخ سيديا الكبير، إذا إن أمه فاطمة، الملقبة “مَتُّ”، بنت أشفق عبيد (أولاد أبييري/ أولاد انْتَشَايِتْ) هي أخت والدة الشيخ سيديا، أم المومنين. لقد تحدث هارون ولد باب ولد الشيخ سيديا في كتاب الأخبار عن علاقة عبد الجليل بالشيخ سيديا بما نصه: ” … و عبد الجليل بن الناه و اسمه محمذ بن أحمد بن ألفغ محم بن الفالل بن محمد القارئ الذي هو أقرهاو، أحد أعمام أبيير كما تقدم، و أمه فاطمة بنت أشفغ عبيد و من هنا كان ابن خالة الشيخ سيدي و كان محبا له معظما و كان الشيخ يسأله عن كثير من الأمور…” (1) و من ذلك ما ذكره مؤلف نفس الكتاب، إذ يقول : “…و يستقدم عبد الجليل بن الناه و يسأله عن موضع لم يتقدم له إحياء من أي أحد فيدله على محل بير بتلميت القديمة فيبتدئ في حفرها على أيدي التلاميذ…” (2)

و جَدُّ إمام، والد عبد المالك، هو أشفق محم ” الصالح المشهور الذي يفتخر به قومه” حسب ما ورد في كتاب الأخبار الآنف الذكر(3) . يذكر عبد المالك في إحدى قصائده الفخرية أن جده أشفق محم هذا هو صاحب كرامات، فيقول:

و أنا الذي جدِّي سِدَادُ ثغورها             و به غدت آبَــالُها تَــتـَـأَبَّــلُ

و هوَ الذي شهِدت دُلَيْمُ فضلَه            فَغَدَا حمىً منها و حِرْزًا يَكْمُل

و ملخص هذه القصة أن أولاد دليم، في إحدى غاراتهم على منطقة الػبلة في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي، أخذوا الكثير من الإبل من هذه المنطقة و من ضمنها إبل لأولاد أبييري، فسار أشفق محم المذكور في طريقهم على جمل و معه أحد أعوانه، فلما تبين لهم أنه شيخ من أهل العلم و الصلاح، سألوه ما ذا يريد، رد عليهم بأنه يريد استرجاع إبله و إبل قومه، أولاد أبييري؛ فقالوا له إن كنت من أهل الولاية و الصلاح حقا “تولد هاذي الناػة لملاػي” (4)، التي قلت إنها من إبلك، “احوارة اعليها نارك” (5)، فبقدرة الله حدث ذلك، بحسب تلك الرواية. عندها أرجع إليه أولاد دليم إبله التي تحمل العلامة أو “النار” الخاصة به، لكنه أصر على أن يعطوه أيضا إبل أولاد أبييري الأخرى، فكان له ما أراد، بحسب نفس الرواية. في هذا الإطار، ذكر مؤلف كتاب الأخبار، أن الشيخ سيديا الكبير، و هو إذ ذاك في أزواد، كان يقول إنه ” لم يترك في سائر قبيلته من الإبل إلا قليلا منها عند أهل الناه و اسمه محمذ ين أحمد بن أشفغ محم [… ] بن الفالل بن محمد القارئ و هو أقر هاو […] و قليلا منها عند أهل المامون بن عبد الله بن مَحَنْضْ نَلَّل بن امْرَابِطْ مَكَّ…” (6)

أما بخصوص نشأة الشاعر، فتذكر الروايات أن والده، إمام، توفي و هو صغير، فتكفل عمُّه عبد الجليل بتربيته و تعليمه، فحفظ القرآن ونهل من المتون الشرعية و اللغوية على يده، و لا يستبعد أن يكون درس أيضا على خال أبيه، سيديا ولد أشفق عبيد، الذي كان من مراجع علوم اللغة العربية في تلك الفترة. هناك رواية تقول بأن الشاعر عبد المالك درس على إدابلحسن، و يعزز ذلك بيت ورد في إحدى قصائده قد يستشف منه ذلك. ففي قصيدته الفخرية التي مطلعها:

بَكَّرت تَــــلُومُك في هواكَ العُذَّلُ          فَهَــمَى مشيجُ دموعِك المتهَطِّلُ

يستطرد:

نحن الهداةُ بنو الهداةِ و علمُــنا           عن كل شيخ في الهُدَى مُتَسَلْسِل

أَبْنَا بَنِي الحسنِ الهُدَاةِ شُيُوخُنــا           سببُ العلومِ بــهُمْ لَهَا يُــتَوَصَّــل

و على كل، فإن عبد المالك تبحر في علوم اللغة، حتى قيل بأنه كان يحفظ القاموس، و يظهر  تمكنه من اللغة في استخدام شواردها في مختلف قصائده، و بالأخص قصيدته العينية التي مطلعها:

فما باذخ راسي القواعدِ فارعُ             تُزَعْزِعُه هُوجُ الرِّياحِ الزَّعَازِعُ

و التي خصصها للفخر بقومه، أولاد أبييري، و ذكر خصالهم و مآثرهم، كما سنرى.

زواجه و ذريته

تزوج عبد المالك من امرأتين من قومه، هما:

ـ أَسْمَاء منت خَالْ أمُّ (أولاد أَعْدَجَّ) التي أنجبت له مريم؛

ـ بَرَّة منت سِدِينَا (إِدَمِّيجِنْ/أولاد سِيدِ مَحَّمْ) التي أنجبت له صفية.

تزوجت مريم من ماهَنَّ، و هو من كبار مريدي الشيخ سيديا الذين قدموا معه من أزواد و أنجبت من هذا الأخير زيْنِ و ابُّوتْ؛ فمن ذرية زينِ ولد ماهن فالَة، والدة محمد زينِ ولد الشيخ ولد المصطف (إِدَقْرَهَاوَ)، أما ابُّوتْ فهي والدة محمد فال ولد بونا (أولاد سيد محم).

أما صفية بنت إمام فقد تزوجت من ابن عمها عبد العزيز ولد أشفق محم ولد عبد العزيز و أنجبت منه حمود، عبد المالك، أسند، أم الفضل (زوج محمد مختار ولد أشفق ولد محمدُّ ولد أشفق).

و للشاعر عبد المالك ولد إمام أخت تسمى اخْدَيْجَه تزوجت من ابن عم لها، و لها من الذرية عبد المالك ولد ببكر. تزوج عبد المالك ولد ببكر من السِّيْدَة منت أَسْتَرْ (إِدَمِّيجِنْ) و أنجبت له: محمد الأمين و محمد محمود و خديجة و مريم محجوبة؛ فذرية محمد الأمين ولد عبد المالك ولد ببكر من الرجال هي محمد يحظيه و اباه، أما خديجة فهي والدة محمد عبد المالك و سيد المختار و أحمد و سيد محمد أبناء محمد عال ولد سيد المختار (أولاد خَايِّيلْ/ أهل محمود)، و أما محجوبة فهي والدة إبراهيم ولد عبدو (إِدَادْهَسْ).

حياته

عاش الشاعر في بيت عز وعلم و مكانة اجتماعية مرموقة جعلته يتصدر المشهد الأدبي في قومه و في المنطقة التي عاش فيها. كان، كما يقول هو عن نفسه، المدافع عن قومه المفتخر بهم شعرا فصيحا و شعبيا. يقول:

أبنَا بني أَبْــيَـيرِ تــعــلم أنَّنــــي               منها المُصاصُ و في الذُّرَى أتنزَّلُ

فأنا لها جَذْلُ الحُكَاكِ و طودُها               و عِنَاجُها و عِمـــادُها المُتطــــوِّلُ

و إذا تشاجرت الخصوم فإنَّنِي               منـــها اللسان فلم يخُنَّنِـــي المِقْـوَلُ

أغراض شعره

تراوحت أغراض شعره بين المديح و الغزل و البكاء على الأطلال و الفخر و المدح و المساجلات، إلخ.

ففي غرض المديح النبوي، يقول في قصيدته الرائية التي ضاع ـ للأسف ـ الكثير منها:

مـــا للــمُدَلَّــهِ مــــن أوصابـِـه وَزَرُ       إلا تَـــحَوُّبُه و الـــدَّمعُ يَــنْـــهَمِر

قد طال ما كتمت نفسُ الحزينِ أسًى       و البينُ أظهرُ ما قد كان يَسْتَتِــر

إنَّ التَّحَوُّبَ من آي المَشُوقِ و حيـــــــــــن تــقــطر العَبَراتُ تظهرُ العِبَــر

تَرَقْرَقَ الدمعُ إذ رُدَّت جـِـــــمالُهُم       و في السُّوَّيداء من تقويضهم شَرَر

إلى أن يقول:

محمدٌ مـــن سما كـــعبٌ بــغرته          و غالبٌ و لؤيُّ فـــهره الــغُــرَرُ

أما في غرض الغزل، فيقول في قصيدته التي مطلعها:

سَلِ الدِّيسَ هل في رَبْعِه الحيُّ ماكثُ          عـــلى عَهْدِه أم زَحْزَحَتْه الــحَوَادِث

إلى أن يقول:

فثمَّ التي يثنـي عن الـعين نـــحـــوها          عــناني هـــوى منها قديم و حـــادث

تُقَلـِّبُ قلبي كـيف شاءت فــحبـُّـــــها           إلى وِفْقِ ما تــهواه داع و بــاعـــث

وأولي علـى أمر فتبـغي خــلافـــــه           دَلاَلاً فـــلا أرتــــاب أنـي حـانـــــث

و تفتـرُّ عن تـيه الملاحة و الصِّـبــا          أفانينَ فــيـــها يُسْــتَتَــاه الــمُحــــادث

و تفتر عن سُنَيْنــاتِ دُرٍّ يُــزِيــنُهــا          ســوادُ لثــاتٍ بـالسويـــداء لا بــــــث

وفي الصدر داع من هواها تفجرت         مجاريه و المــقدورُ لا بُـــــدَّ نَافِـــــث

أما في غرض البكاء على الأطلال، فقد ذكر مرابع قومه في أمشتيل و آوكار و أغان في مستهل قصيدته السينية:

على رِيـعَةِ المُصْطَــافِ دورٌ دَوَارِسُ         عَرَتْنِيَّ من عِرْفَانِهـــِنَّ الــهَـوَاجِـــــس

تلـوحُ ولَأْيًا ما تـــلــــوح رســومُـــها          كما ضَمِنَتْ زبْرَ الوُحِيِّ القَــرَاطِــــس

فلــم يــبقَ منها غــيـرُ آيٍ و دِمــنـــة          وَهَابِ لــه سُـفْــعُ الأثـــافي حــوارس

توَهَّمْتُها مــن بــعــد خمــسٍ كَوَامـِـلُ          مَضَــيْنَ لــها بـعدي و ذا العامُ سـادس

عفا ربــع بير الله مــن بــعد دعــــده          فربــع الروابي فالــهُــجُولُ الطَّــوَامِس

فمُــرْتَبَعُ الزَّلاَّ فــمَــرْبـَعُ ذِي الــــدِّلاَ          فذو الطَّيْسِ حيث ابْيَضَّ منه الأوَاعِـس

فمُسْتَنَمُ العِرْضانِ فالجُبُّ ذو الصَّفــا          فحيث استقرت حول مُػْـــرِ الأَوَانــِـسُ

فمَـــالِيلَ فالـــغَرَّاءُ فـــالوَدُّ فاللِّـــوَى         لـِــــوَى ذات نَيٍّ فـــالنـَّـــقَا فالــمَـلاَحِـسُ

خليليَّ إن هاج المنــازل عَــبْرَتـــي         فقِــدْمًا تَــبَكْــتْنِي الطُّــلُولُ الــــــــدَّوَارِس

و في مجال الفخر، نجد الشاعر يفتخر بأجداده كما يفتخر بقومه.

فبخصوص أجداده، يقول في قصيدته اللامية المتقدم ذكر مطلعها:

فـــــجُــدُودُنا مـــنها ذَوَائِــبُ عـِـــزِّها              و نِجَارُنَا منها الطِّرَازُ الأَوَّل

فأنــا الذي جَـــــدِّي سِدَادُ ثـُـــــغُورِها              و بــه غَــدَتْ آبَــالُها تَــتَــأَبَّل

فهوَ الـــــذي شَهـِـدَتْ دُلـَـيْمُ فَــــضْلَه              فَغَدَا حمًى منها و حِرْزًا يَكْمُل

حُزْنا بأحمدَ كل سَبْقٍ في الـــــــعُـــلاَ             فَسَمَا بنا فوق المَجَرَّةِ مَنـْــــزِل

و سما بـــنا نَجْرُ العـــــلومِ محــمَّـــدٌ             حِلْفُ العُلَا مَنْ عنه لا يُتَحَــوَّلُ

و سمــــا بـــنا الحَــبْرُ الهُمَامُ أبُوهُمَا             رُتَبًا وَنَى عنها السِّمَاك الأَعْزَلُ

نحن الحُمَاةُ بنو الحُمَاةِ ذوي العُــــلَا             فـَــدِفَاعُنَا عن قـَـوْمِنَا مُتَأَصِّـــل

هَيْنُونَ في زمن الرَّخَا ولدى الحـــــــــــــــروب مَـــذَاقُنَا مُــرٌّ زُعَاقٌ حَــــنْظَــل

و بخصوص الفخر بقومه، أولاد أبييري، فقد خصص لذلك قصيدته العينية المتقدمة الذكر و التي يقول فيها:

فإنَّــا بَــنُو عـبدِ الإلــــهِ بــنُ جـــعــفرٍ        نَمَــتْنَا إلـــيه المــحصناتُ المَــــوَانـِـعُ

كَرَائِمُ لـــسْنَ يَطَّـــبِيــهِنَّ مَــــــطْمَــعٌ          إذا ما اطَّبَتْ عند النصارى المطامــع

فإن تســأل انْتِيتَامَ عن نَجْـرِ عــــزِّنا          غــداة الــتقت في جـــانبيه الـــــوقائـع

يُخَبِّرْكَ عن عزٍّ طَرِيفٍ و تـَــــــالــدٍ          يُظَاهِرُه طــــــود مـــن المــجد فـارع

شَمُوخُ الذُّرَى صعبُ المَسَالِكِ شاهقٌ          تـــقــاصر عــن أدنـــى عُـــلاه متَالِـع

و نــحن مَــلاَذٌ للــزوايا و سُــورُها           إذا لـــم تَجِدْ عـــــــــنها حريـــمًا يُدافع

إلى أن يقول:

مَطاعِيمُ في القِرى مَطَاعِينُ في الـوَغَى           مَعَاقِلُ في الجُــلَّى جِـــــبَالٌ فـَـــــــوَارِع

كُماةٌ أُبَـاةٌ أورثَ الــــــــمجدُ جــدَّهـم           ضَرَاغِــــيمُ في الهَيْــجَا سَـــرَاةٌ يَلاَمِع

مَيــَامِينُ لا يُشْــقِي جَلـِـيسٌ جليسَــهم           عِظَامُ اللُّهَى شُمُّ الأُنُوفِ مَـــــــــصَاقِع

هم الغَيْثُ في اللَّأوَا هم الهَدْيُ للهُدَى           هم الرَّدُّ للأَعْدَا ســــيوفٌ قَــــــوَاطـِــع

و إلى أن يقول:

و كــلُّ على نَهْــجِ الأُبُــوَّة نَـــهْــجٌهٌ           و كــلٌّ بــكُــلٍّ من مـَــزَايــَاه قـَـــانــِـع

فـــذو كَرَمٍ يُرْجَى و ذو هَــيْبَةٍ لَــجَا           و ذو سَـــفَهٍ يُخْشَى و آخـــرُ خـــاشــع

لــه كبدٌ حَرَّاءُ مـــن شــوق ربــــه            و جَفْنٌ بما يَــلْقى من الوَجْـــدِ دامـــــع

و آخــرُ ذو فقهٍ و نــحوٍ مــــحـدِّثٌ           و آخرُ ذو خُبْرٍ بــــــما سَنَّ نــــــــــافع

و آخـــرُ فــي زَيِّ الــمُلُوكِ كأنـــه           إذا مــا بــدا بدرٌ مــن الأفْـــقِ طَـــــالـع

و ذو نــجدةٍ حامِــي الحقيقةَ بـاسلٌ           جَــريءٌ عـــن أحسابِ الـــعشـيرِ مُدَافِـع

وفي نفس الغرض يقول مفتخرا بقومه:

فلله قـــومـي يــوم رِيـــمَ حـــريمُهـم           و هيَّجَت الشجعان إحدى البواعثِ

هُم أرخصوا يوم الوغى من نفوسهم            و ما أُرخِصَت من قبلُ عند حادث

تـــعانقهم جـُــمُّ الحـــديدِ كــــأنـــــها            عـــناقُ الــــبيضِ فـــي قلب رافث

إلى أن يقول:

فَـــوَلَّت خَــزَايَا يــومَ جاءت عِداهمُ            و ما لَبِثت من رُعْبِهم في المَـلَابِث

هم الردُّ للأعدا و هم منعةُ الحِــمَـى           إذا بــغتت في الحي أمُّ الــحـــوادث

وقد أورثوا صدقَ اللِّقَا من جدودِهمُ           ومن أُمّـــهَاتٍ غـــيرِ وُقَّحٍ خـــبائـث

نِـــجارهـُـم إلـــى قـــريشٍ و كـلُّهم           لـِـحَمْزَةَ و الــــطَّيـَّـارِ أجــــدرُ وارث

أما غرض المدح فنجده حاضرا بقوة في شعره، بيد أنه اقتصر على مدح شيخه، الشيخ سيديا و ابنه الشيخ سيد محمد اللذين تربطه بهما و شائج عديدة، فهو من أكابر مريدي الشيخ سيديا و ابن خالته، كما تقدم، علاوة على أنهم جميعا أبناء عمومة.

لقد خصص قصيدتين طويلتين لمدح الشيخ سيديا، أولاهما تزيد على سبعين بيتا، و مطلعها:

تَأَوَّبَنِي اكتمــادي مــن سُعَــادِ          و حــالفني جــوايَ مــع السُّهاد

إلى أن يقول:

أَعَاذِلتِي عِتَابُك لــــي عَـــنَاءٌ          فما يَشْفِي القلوبَ سوى مُرادي

مُطَبِّبُ ما يَهَالُ لـــه المُدَاوِي          و مُرْئِبُ مــا تَعَسَّرَ مـــن فَـسَاد

مُجَدِّدُ ما عَفَتْه يــــدُ العَوَافي         من العَثَراتِ و البـِـدَعِ الــجِـــدَاد

مُوَّضِّحُ كل مُلْتَبِسٍ عـويصٍ         و نــاظــورُ القـبيلة و السِّـنَـــــاد

به عطلُ الديانة قد تحـــلـت         بــه طرد اللــعينُ أخــو الـــبعـاد

به نَقِهَ المريضُ بلا تَــــدَاوٍ         بـــه سَلِمَ الـــمَبِيعُ مــــن الكــساد

و إلى أن يقول:

أيا قُطْـــبَ الزمـان و يـا حُـــــلاه      و يا طرقَ النجاة إلى الســداد

و مشكاة الحنادس و الـدَّياجِــــي       و منجاةَ الحواضرِ و البوادي

أَمَا و البيتِ و الحجرِ المنقـَّـــــى       و منْ رفع السماء بــلا عِمـاد

لأنت الغوثُ و القطبُ المرجـىَّ      لقاصمةِ الظهور من الـــعوادي

أما القصيدة الثانية التي يمدح بها الشيخ سيديا فتقارب الستين بيتا، ومطلعها:

بَـانَ الخليطُ وما رَقُّوا لمن قـَـعَدَا     و خَلَّفُوك تُـقَاسِي الـــهمَّ و الكَــــمَدَا

إلى أن يقول:

شيخٌ هَدَى كُلَّ غَـاوٍ من ضَلاَلَــتِه     إلى سبيلِ الهُدى و وضَّح الرَّشَــدا

هو المُشَيِّــدُ ما أركانــه انْهَدَمَـتْ     مـــن الـــدِّيَّــانَـةِ و المُــقَــوِّمُ الأَوَدا

هو المُجَدِّدُ دِينَ البَذْلِ إذ نُسِـخَتْ     آيــاتُــه بَخَــلاً و اسْــتُــبْدِلـَـتْ نَــكَدا

غَوْثُ و غَيْثٌ و مُزْنٌ مَاؤُه غَدَقٌ    قُطْــــبٌ هُــمَامٌ غَــدَا بالـمجْدِ مُنْفَرِدا

إلى أن يقول فيها:

و أنتم دجلة الأسـرارِ زاخــرةٌ     بِسَـــلْــسَلِ الــحقِّ لا رَنْــقًا و لا ثَـمَدَا

تَمَّتْ وراثتُكم لمن به خُتِمَــتْ     رِسَــالَةُ الرُّسْلِ مَنْ في الخَلْقِ قد حُمِدا

أما الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيديا فقد مدحه في قصيدة السينية التي تقدم ذكرها و التي تعتبر من روائع شعره. يقول فيها بعد البكاء على الأطلال و التغزل:

كَــسَاهُ الحيَا من رَوْنَقِ الحُسنِ بَهْجَةً      كما بَهُجَتْ بابنِ الكمالِ المَــجالس

بــسَيِّدِنَا الأَسْـــنَى مُشَـيِّدِ عــــــــزِّنا       و مِقْبَاسُنا أنْ تطغَ فينا الحَـــنَادِس

يــتيمةُ عِــقْدِ المجدِ مِشكاةُ نـــــورِه       و نِبْراسُه إن تَخْبُ مـنه النَّــبَارِس

تَحَــلَّى بــه من عاطلِ الدهرِ جـيدُه      و لانت به شُهبُ العصورِ العوابس

إلى أن يقول:

صَـــفُوحٌ أخو حِلْمٍ وَقُورٌ عن الخَنَا      و لَيـْـثٌ إذا رِيــمَ الحريمُ دَمَــاحِس

لـه في فـــروعِ المجدِ أطولُ فارعٍ      و عِرْقٌ عَرِيقٌ في المكارمِ غَارِس

تبـوح لـــديه المشكلاتُ بسرِّهــــا      و تُـــبرزُ عن مَــكْنُونِهِنَّ الدســائس

به فاض جَبْجَابُ النَّدَى ومَـــعينُه      به عَمُرَتْ تِيــهُ العلومِ الجـــــوادس

فــعانق أبــــكارَ العلــومِ خــرائدًا      فـَــهُنَّ لـــه دون الأنــامِ عـــــرائس

فزحزحَ عن مَكنونِها كل مِطرفٍ      و ذلَّت له منها الصِّــعَابُ الشَّوَامِس

و إلى أن يقول:

و إن تَسْــتَبِقْ للــمجدِ خَيلٌ سوابقٌ     فَــــحَامِله منــها الوَجــيهُ و دَاحِــس

مكارمُه يُعْيِ اللــــسانَ عــديــدُها     و تَـــقْصُر عــن تَــعْدَادِهِنَّ الأَبَاخِس

و لو بَلَغَ المجدُ السماءَ لأصْبَحَتْ      أَنـَـامِلُه لِلْــفَـــرْقَـــدَيْنِ تُــلَامِـــــــس

أما في مجال المساجلات، فله قصائد في هذا الغرض، و بالأخص في موضوع المساجلة التي وقعت بين الشاعرين الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيديا و محمدُّ ولد محمدي، إذ دافع بقوة عن الأول، لكن هذا الموضوع لا يدخل ضمن هدف الورقة الحالية الذي سيقتصر على الأغراض التي تم التطرق لها آنفا.

مكانة شعر عبد المالك في قومه و في منطقة بتلميت

حظي شعر عبد المالك باهتمام كبير من طرف قومه، و بالأخص المتعلمين منهم، فأقبلوا عليه يدونونه و يحفظونه و يتسامرون به، لدرجة أن بعض أكابرهم أفتى بأن من لا يحفظ عينيته الفخرية، المذكورة آنفا، لا تقبل شهادته. كذلك ذكر الأديب و اللغوي سيد محمد، الملقب السيد، ولد المختار ولد الطالب ولد الهيبة، رحمه الله، في رسالة بعث بها إلى الشيخ سيديا باب حوالي 1912، و كان إذ ذاك مع أهل الشيخ ماء العينين، و ضمن سياق خاص، أنه استلهم من شعر ثلاثة من فحول الشعراء، اثنان متقدمان، و هما جرير الخَطفي التميمي و أبو بكر بن دريد و الثالث هو عبد المالك ولد إمام.

في هذا الإطار، و خلال جلسة أدبية خريف 2009 مع عميد الأدب الموريتاني، الشاعر الكبير أحمدو ولد القادر، الذي أتمنى له الشفاء العاجل،  ذكر لي هذا الأخير بأنه من النادر أن ينظم سمر شعري في منطقة “لعػل” إلا و ذكر فيه شعر عبد المالك و لد إمام.

وفاته و رثاؤه

بعد عمر بلغ زهاء الستين سنة، و على الأرجح سنة 1270 ھ / 1855 م، توفي عبد المالك ولد إمام في منطقة أغان شمال شرق بتلميت، في نواحي اتْوَيْشِلِّ و اتْوَيْدِيمِتْ أَمَدرْ و دفن هناك. تقول الروايات أنه كان في مجموعة من قومه فأحس بحمى شديدة كانت سبب وفاته، تغمده الله بواسع رحمته.

رثاه امِّينْ ولد محمد فال ولد أحمد ولد المصطف ولد محمد (أولاد خَايِّيلْ / أهل مِينَّلَّل)، و كان معاصرا له،  بقصيدة تم العثور حتى الآن على الأبيات التالية منها:

طودُ العشيرةِ في الوغَى و لسانُـها               و دفاعُها ذو الفضلِ عبدُ المالك

نجلُ الإمامِ ملاذُ كــلِّ فــضيــلــــةٍ             حتفُ العنيدِ لــدى الجِـلاَدِ الآفِــك

صَحِبَ الكمالَ مُبــجَّلا بجَنَابـــــــه            يَنْحًو بــهِ نهــجَ المُريـــدِ السَّــالِك

أَوْدَى به سيفُ القضا حامي الحِمَى           و لَكَمْ سَمـَـا نحو الرَّفِيعِ السَّــامِــك

آهٍ على فَقْدِ المرزَّأ فــي الــمَــــــلاَ            مِصْــبَاحُــنا في المُــدْلَـهَمِّ الحَــالِك

من الأهمية بمكان التنبيه إلى أن عبد المالك ولد إمام ليس فقط شاعرا، بل له إنتاج رائق بالشعر الحساني، من أهمه ” كرزة في البت الكبير” خصصها لمدح الشيخ سيديا الكبير و لأخواله، و خالاته، أبناء و بنات أشفق عبيد (أولاد أبييري/ أولاد انتشايت)، و هم منِّيهْ، القائد البارز و الدَّاهْ وفطمة، الملقبة “مَتُّ”، جدة عبد المالك نفسه و يَيَّه. كذلك يوجد له بعض الغزل في هذا الصنف من الأدب.

عبد المالك ولد إمام في الأعمال التاريخية و الأدبية

ذكره المختار ولد حامدن في موسوعته حياة موريتانيا و وصفه بأنه “العالم و الشاعر المجيد…” (7)

كذلك ذكره محمدي بن بدي، محقق ديوان محمدُّ ولد محمدي ، الصادر السنة الدراسية 1984 ـ 1985 بالمدرسة العليا للتعليم، ص. 203 ، و وصفه بأنه “شاعر مجيد”. (8)

ترجم له الدكتور محمد المختار ولد اباه (9) في كتابه ” الشعر و الشعراء في موريتانيا” و أورد له قصيدته السينية التي مطلعها:

على ريعة المصطاف دورٌ دوارسُ           عرتــني من عِرْفانِهِنَّ الهواجس

التي يمدح بها الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيديا.

ذكره أيضا هارون ولد باب ولد الشيخ سيديا في كتابه المتقدم (10)، و أورد له داليته في مدح شيخه، الشيخ سيديا الكبير، و التي مطلعها:

تَأَوَّبَنِي اكتمادي من سعاد          و حالفني جوايَ مع السُّهاد

في هذا الإطار أيضا يجدر بالذكر أنه تم تحقيق أولي لديوان الشاعر عبد المالك من طرف الأستاذ الدياه ولد عبد الله سنة 2003(11).

كذلك ورد ذكر عبد المالك ولد إمام في ديوان الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيديا (12)، مع جزء من سينيته المتقدم ذكرها.

أخيرا، خصص موقعا “معجم البابطين” (13) السعودي و “بوابة الشعراء” (14) العُمَاني، المهتمان بالشعر الفصيح في العالم العربي، ركنين خاصين للشاعر عبد المالك ولد إمام، تطرقا فيهما لحياته و شعره، و أوردا له قصيدته السينية التي تقدم ذكر ها، فيما زاد موقع البابطين بقصيدته الدالية في مدح الشيخ سيديا الكبير. الملاحظ أن تاريخ ميلاد الشاعر المذكور في الموقعين و في بعض المراجع الأخرى هو 1772، و هو تاريخ غير دقيق لأنه يجعل الشاعر أكبر سنا من الشيخ سيديا الكبير الذي ولد في حدود 1780 و الذي من المرجح أنه من جيل والده إمام.

خاتمة:

لا تزال الكثير من المعلومات عن الشاعر عبد المالك ولد إمام غير متوفرة لأسباب متعددة، لعل أهمها ضياع الكثير من شعره و رحيل أناس عديدين ممن يعتبرون مظنة لأخباره. مع ذلك تُبْذلُ جهود حثيثة لنفض الغبار عن هذه الشخصية الأدبية الفذة التي أثرت في الحياة الثقافية في منطقة بتلميت، بشكل خاص و في موريتانيا و العالم العربي بشكل أعم.

نواكشوط، 19 ذو القعدة 1441 هجرية/ 9 يوليو 2020

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(1) هارون ولد الشيخ سيديا باب: كتاب الأخبار، الجزء الثاني، طبعة 1998،  سحب المطبعة السريعة، ص. 14.

(2) نفس المرجع ص. 23

(3) نفس المرجع السابق، ص. 5

(4) أي الناقة التي على وشك الوضع.

(5) أي حوارة عليها ميسمك.

(6) هارون ولد الشيخ سيديا باب، نفس المرجع السابق، ص.5

(7) المختار ولد حامدن: حياة موريتانيا، جزء 33 (خاص بأولاد أبييري)، مرقون، تحقيق محمد المصطفى ولد الندى، ص.68

(8) ديوان محمدُّ ولد محمدي  (مرقون) ، تحقيق محمدي بن بدي، المدرسة العليا للتعليم، بحث تخرج برسم السنة الدراسية 1984 ـ 1985 ، ص. 203

(9) الدكتور محمد المختار ولد اباه:  الشعر و الشعراء في موريتانيا، الطبعة الثانية، دار الأمان، الرباط، 2003، الصفحات 82 ، 266 ـ 269 .

(10) هارون ولد الشيخ سيديا باب، مرجع سابق، الصفحات 17 ـ 20.

(11) ديوان عبد الملك ولد إمام (مرقون) ، تحقيق الدياه ولد عبد الله، عمل قدم لنيل شهادة الإجازة (المتريز) من قسم اللغة العربية بكلية الآداب و العلوم الإنسانية، جامعة نواكشوط، برسم السنة الجامعية 2002 ـ 2003، بإشراف الدكتور محمد الحسن ولد محمد المصطفى.

(12) ديوان الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيديا، تحقيق الأستاذ عبد الله ولد محمد سيديا، دار الرضوان 1439 ھ/ 2018، الصفحات 37 ، 40 ، و 57 مع جزء من سينيته المتقدم ذكر مطلعها.

(13) عنوان موقع بوابة الشعراء العُمَانِي على الشبكة العنكبوتية هو: www.poetsgate.com

(14) عنوان موقع البابطين، التابع لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية هو:

www.almoajam.org 

نقلا عن موقع:

موريتانيا الآن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق