صنعة فهارس مخطوطات موريتانيا 03 / إسلم ولد السبتي
تحدثنا في الحلقة السابقة عن مرحة تجكجة وسنتعرض في هذه الحلقة لمرحة مهمة من مراحل العمل التي قادتنا إلى مدن هامة من مدننا التاريخية وها نحن نصل إلى أماكن أخرى من هذا الوطن وهذه المرة
إلى ولاية كوركل.
لقد كان البرنامج الذي صمم لزيارة ولاية تكانت قد استوعب زيارة أخرى لولاية كوركل، فما كان منا إلا الانطلاقة مباشرة بعد استكمال رحلة انبيكة إلى تلك الولاية التي لم نكن نعرف بالضبط مخزونها الوثائقي وما مدى توفر المخطوطات بها.
لقد وصلنا إلى مدينة كيهيدي في وقت مبكر ثم قمنا بالاتصالات الضرورية والتي من شأنها إنجاح مهمتنا، وقد كانت الجوامع والمحاضر هي القبلة في هذا المجال إلا أن تلك الأماكن لم تتحفنا بالكثير ومع ذلك سجلنا ما قدم لنا عند أولئك المهتمين بالتراث المخطوط. وبعد مدينة كيهيدي قصدنا مدينة جيول فلم نجد من يقدم لنا شيئا وحسب علمنا فإن العالم الحاج محمود با ينتمي لهذه المدينة وهو عالم عرف بعلمه وورعه وجهاده. ثم انطلقنا بعدها إلى مدينة امبود وهي مدينة بعيدة طريقها وعر، لم نصلها إلا بعد جهد جهيد وقد أخذ منا الإعياء مأخذه.
بعد أن استرحنا قمنا بالاتصال بجميع المهتمين بالتراث المخطوط ثم شرحنا لهم مهمتنا والتي تتلخص في رغبتنا على الاضطلاع على المخطوطات التي تتوفر عليها المدينة.
لم يخذلنا القيمون على التراث بتلك المدينة والتي بنيت حسب ما أخبرونا بذلك سنة 1903م، وكانت تتوفر على مكتبات عدة مثل مكتبة يربان، ومكتبة أهل مولاي المصطفى، وفيها مخطوطات مهمة مثل نشر البنود على مراقي السعود لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم، وشرح النابغة على الأخضري، ونظم السلم المرونق، والجواب المستنار عن سؤال سيدي المختار لأحمد أبو المعالي بن الشيخ أحمد الحضرمي، وإفادة المريد للشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل، وغيرها. ثم انتقلنا بعد ذلك إلى مكتبة القاضي محمد الحسن بن منان المتوفى سنة 1998، وكان من القضاة المشهورين أيام الاستعمار الفرنسي، وقد ألف بعض الكتب النافعة من مثل يسر الناظرين بأسماء الفقهاء الموريتانيين، وله نقلة في رفع الصوت في المسجد. وقد قمنا بفهرسة عدة كتب من مكتبته منها كتاب الذهب الإبريز لمحمد بن سعيد اليدالي، ونوازل البرزلي، وغيرها. ثم انتقلنا إلى مكتبة جعفر بن الهاشم المتوفى سنة 1944، والذي يعتبر من أوائل علماء المنطقة وذلك بمشاركاته الواسعة في النهضة الثقافية للمدينة، فقد أخبرنا بذلك كله بعض من التقيناهم في مكتبة الرجل. وقد قمنا بفهرسة بعض الكتب من مكتبة ذلك العالم منها نظم قرة الأبصار في السيرة النبوية لهاشم بن أحمد المتوفى سنة 1996، وهو أحد أفراد الأسرة، ملاك المكتبة.
وبعد ذلك انتقلنا إلى محظرة عمر على دم وهو أحد أعيان مدينة امبود، وبجوار المدرسة مسجدها العتيق، وكان الطلبة يقرؤون القرآن ويتدارسونه في حلقة علمية رائعة، وما إن قدمنا له أنفسنا وأخبرناه بمهمتنا حتى أعطانا كل وقته وأخبرنا بظروف المسجد والمحظرة وقدم لنا صورة عن طرق التعليم بها، ثم قام بتقديم جميع المخطوطات التي تتوفر عليها مكتبته فما كان علينا إلا أن بدأنا عمل الفهرسة. وقد لاحظت أن المكتبة تتوفر على مخطوطات بخط صاحب المكتبة عمر على دم، مثل رسم الطالب عبد الله في علوم رسم القرآن، وهناك نصوص برسم والده وهو على دم مثل قصيدة البردة. ويوجد في المكتبة كتاب نظم في ألفات الحذف وشرحه تأليف باب بن ابت، وهو مؤلف من دولة مالي، منسوخ بخط بوبكر انكايد من رجالات مدينة بوكي. وهذا الخطاط نقل نصا آخر قمنا بفهرسته وهو تذكرة المسترشدين وفلاح الطالبين. وقد امتازت هذه المكتبة بمؤلفات علوم القرآن، فكانت معظم الكتب التي تمت فهرستها تنضوي تحت هذا العلم. ومن هنا يجب التنبيه إلى أن تلك المكتبة تتناغم مع ما تقوم به من تدريس وتثقيف لعامة سكان مدينة امبود العتيقة. ونشير أخيرا إلى أننا لا نعدم وجود كتب منسوخة باللغات الوطنية، مثل نظم الوضوء والصلاة باللغة التكرورية.
ما إن انتهت مهمتنا في هذه المدينة حتى غادرناها متجهين إلى باقي مدن الولاية، وقد مررنا بمدينة لكصيبة1، ودخلنا مسجدها ومحظرتها بحثا عن المخطوط، وسألنا عن إمام المسجد فأخبرونا بأن إمامه القديم يدعى الشيخ ألفا دمبا وقد توفي رحمه الله سنة 1991م وحل محله الإمام ممد سي ألفا دمبا بن الإمام عمر، وقد فهرسنا كتب هذه المحظرة وغالبيتها من كتب الصوفية مثل كتاب: أسئلة وأجوبة في الطريقة الصوفية، ألفه ممد بن الحاج عبد الرحمن اصغاره، وهذا المؤلف تلميذ للحاج سكيرج صاحب كتاب كشف الحجاب.
لم نمكث طويلا بتلك المدينة حيث قصدنا مدينة مونكل القريبة منها، وكان المقام بها حيث أننا بدأنا البحث عن مظان المخطوطات، وقد أخبرنا أنها اندرست بحكم الطباعة ولم يبق إلا النزر القليل، ومع ذلك فقد التقينا بعدة شخصيات منهم الشيخ أحمد بن سيدي أحمد الشرقي، ومن علماء هذه المدينة باب أحمد بن بداه، ومحمد سالم بن الإمام مكي، وأحمد السالم بن بلال، والشيخ أحمدن بن سيدي أحمد. وفي ومكتبة باب أحمد، المغني على مختصر خليل لابن أحمد الهادي الجملي، واليواقيت المأثورة في جواز الأخذ بالرخصة، وغيرها.
نقلا عن موقع: موريتانيا الآن